قانون المزرعة ..

في الطبيعة قوانين لا يمكننا تجاهلها،ولو تجاهلنا سيظهر تأثيرها علينا جليا ً فيما بعد إن لم يكن لها تأثيرها المباشر في حياتنا ، ولكي نفهم قوة تأثير هذه القوانين على حياتنا سنأخذ مثالاً قانون الزراعة و المحصول و نقارنه مع بعض جوانب الحياة لنلاحظ مدى واقعية قوانين الطبيعة في حياتنا .
من السهل أن نرى كيف تتحكم قوانين الطبيعة في العمل و المحصول ويظهر ذلك مادياً و ملموساً.ولكن في البيئة الاجتماعية ، أو التنظيمية ، قد نتصور إن بإمكاننا تجاهل هذه القوانين الطبيعية .مثال ذلك أن نتحايل على النظام ، ومع ذلك نتوقع المكسب .على سبيل المثال ، هل حدث لك أن تركت عملك المدرسي بلا عناية حتى ما قبل الامتحانات؟ وليلة الامتحان سهرت حتى الصباح تحاول أن تحشو كل ما درسته خلال الفصل الدراسي في ذهنك ؟
يقول Stephen (مؤلف كتاب العادات السبع لأكثر الناس فاعلية ):" أنا اخجل من الاعتراف باني كنت افعل ذلك . لقد نهجت هذا المنهج طوال دراستي حتى البكالوريوس، معتقداً إنني بهذا الشكل من الأذكياء.لقد برعت في الضحك على النظام ومعرفة ما يريده المعلمون .كيف يضع ذلك المعلم الدرجة ؟ حسب ما يقوله في محاضراته، ممتاز. إذا ما عليك من المراجعة فلا داعي لها . ماذا عن معلم الآخر ؟انه يرغمك على قراءة الكتاب .إذن لنبحث عن ملخص لزميل فمنة نحصل على الخلاصة السريعة ؟ لقد أردت الحصول على الدرجة العلمية، دون أن أغير من نمط حياتي.
بعد ذلك ذهبت إلى الدراسات العليا .هنا تجد قواعد اللعبة مختلفة تماماً. فلا فرار من العلم الحق و المعرفة العميقة، لذلك حاولت خلال الثلاثة شهور الأولى أن أعوض ما فآتني من التحصيل الذي ضاع خلال أربع سنوات كان يجب أن ادرس فيها بالضبط .وفي نهاية الشهور الثلاثة كنت طريح الفراش في المستشفى أعاني من قرحة في القولون .لقد كنت اضغط على العمليات الطبيعية لتعويض ما فات، واكتشفت انه على المدى البعيد لا يمكنك النجاح في ذلك. لقد ضللت لسنوات بعد ذلك أحاول تعويض سوء تصرفي في الماضي عندما ربطت حياتي بنظام بعيد عن المبادئ بالمرة ".
هل لك أن تتصور عملية "حشو" مثل تلك التي ذكرتها هذه تحدث لو انك تعمل في مزرعة من المزارع ؟ هل يمكنك مثلاً تجاهل رمي البذور في فصل الربيع، ثم تضيع وقتك في الصيف لعباً و لهواً، وتأتي في الخريف لكي تعمل ليل نهار في حرث الأرض وبذر البذور وري التربة ثم تتوقع أن يأتي المحصول الوفير صبيحة اليوم التالي ؟!
هذا النمط من النظم الهشة لا تصلح للأنظمة الطبيعية مثل المزرعة.ها هو الفرق الأساسي بين النظم الاجتماعية و النظم الطبيعية . فالنظم الاجتماعية تبنى على القيم، أما النظم الطبيعية فتبنى على المبادئ. في الأجل القصير يبدو الحشو ، و التحايل ، و التسرع مجديا في النظم الاجتماعية .فأنت ستنجز الأمور العاجلة بأساليب تبدو لك فعالة. ولكن في الأجل الطويل، تأكد إن مبدأ المزرعة سيتحكم في كل حياتك. كم منا، الآن، من يتمنى لو انه ليتعجل الانتهاء من الدراسة للتخلص منها بأي شكل ؟ لقد حصلنا على الدرجة ولكننا لم نتعلم بما فيه الكفاية . وأخيرا اكتشفنا إن هناك فارقا بين النجاح في المرور من خلال النظام الدراسي أيام المدرسة ، و النجاح في تطوير عقل الإنسان و تنمية التفكير التحليلي ، و بناء القدرة على الكتابة ، و التعبير ، و الاتصال ،فهذه القدرات هي أدوات الانطلاق و تخطي الأنماط التقليدية للممارسة ،وبناء القدرة على حل المشكلات بأسلوب حديث و أفضل .
ماذا عن الشخصية ؟ هل يمكنك أن تضغطها هي الأخرى، بحيث تصبح، و بسرعة،شخصا ً له الشجاعة و الكرامة والعاطفة الجيدة ؟ ماذا عن الصحة البدنية ؟ هل يمكنك أن تتخطى السنوات التي عشت فيها على الحلوى و الأغذية الخفيفة وعدم ممارسة الرياضة، لكي تأتي عشية سباق الجري لكي تقضي الليل محاولاً الاستعداد لهذا السباق ؟!
ماذا عن الزواج ؟ سواء اعتمدت على مبدأ المدرسة، أو مبدأ المزرعة، فالقضية تتعلق بسؤال:إلى أي حد تحتاج أن يستمر هذا الزواج ؟ إن أولئك الذين يخافون لا يحبون تغيير نمط حياتهم بعد الزواج. فهم عزاب متزوجون. إنهم لا يأخذون الوقت الكافي لزراعة بذور الرؤية المشتركة مع الطرف الآخر وبناء علاقة تقوم على الإيثار، و العناية بالغير، و الحب، و الاهتمام.ثم بعد ذلك يعجب هؤلاء من إنهم لا يحصدون إلا الشوك.فالحلول السريعة للجانب الاجتماعي ،و الاعتماد على الطرق الشخصية المستخدمة في حل المشكلات لا تؤتي ثمارها .هذه الحلول لا يمكنها أن تحل محل العمل و الصبر خلال مواسم الزراعة و الري و العناية في قانون المزرعة.
ماذا عن العلاقة مع الأبناء ؟ يمكن استخدام الطريق الأيسر و الأقصر .فنحن اكبر منهم ،و أذكى منهم ، ونملك السلطة عليهم . لذلك يمكننا أن نصدر إليهم الأوامر، و نهددهم، ونهينهم، و نفرض عليهم إرادتنا. كما يمكننا التهرب من مهمة تربيتهم بإلقائها على المدرسة، أو النادي، أو أي مكان آخر. ولكن بمرور الوقت هل هذه الطرق الأيسر الأقصر تضمن بناء أولادك كأشخاص لديهم المسئولية، و العناية، و النضج، و القوة لصنع قرارات ذات فاعلية، تضمن لهم العيش في حياة سعيدة.هل هذا الطريق الأيسر الأقصر الذي نستخدمه يرتب علاقات جيدة مع أولئك الذين سيصبحون أقرب الأقربين لينأ؟
على المدى القصير، قد تستطيع ترتيب بعض الأمور بسرعة و يسر و بشيء من النجاح. يمكننا إظهار المهارة و الجاذبية ، يمكننا استخدام بعض الحيل ، و العزف على الأوتار المناسبة للحصول على رد الفعل المناسب . ولكن على المدى البعيد، نجد إن قانون المزرعة يتحكم في كل جوانب الحياة. فلا مجال في المزرعة لتزوير المحصول . وكما يقول Sidney Bremer في كتاب روح أبوللو : "إن الطبيعة متوازنة تماماً . لا يمكننا الإخلال بذلك التوازن؛ لأننا نعلم أن قانون السبب و النتيجة هو القانون الدقيق و المطلق للطبيعة.ولكننا نفشل في إيجاد التوازن الخاص بنا، كأمم و أفراد، لأننا لم نتعلم بعد أن هذه القوانين تعمل، بنفس القوة، في الحياة الإنسانية و المجتمع كما تعمل في الطبيعة،فان ما نزرعه لا بد لنا في النهاية أن نحصده".
|